2024 April 24 - 15 شوال 1445
الطف.. واقعة خلّدها التاريخ
رقم المطلب: ٤٢٢٦ تاریخ النشر: ١٩ محرم ١٤٤٣ - ١٧:١٦ عدد المشاهدة: 1687
المذکرة » عام
حدث هزَّ الضمير الإنساني
الطف.. واقعة خلّدها التاريخ

إنّ يوم عاشوراء وإن كان في حساب الأيام يوم واحد لا أكثر لكنّه في حساب التاريخ يرمز إلى التأريخ برمته. ثورة الحسين (ع) أعادت إلى الأذهان المستنيرة نورها فذكرتها بقيم وخطوط المدرسة المحمّدية بكلّ قيمها ورموزها بما فيها حقّ آل محمّدٍ وحقيقتهم ومكانتهم في الإسلام، فكان أن أعادَ بذلك تشكيل الخطّ الإسلامي الرسالي السليم، هذا الخطّ الذي بقي أميناً على الرسالة بقيمها وأهدافها وأصالتها كسيفٍ مُصلَت على أعناق الحاكمين.

 ثورة الإمام الحسين (ع) حدث فريد في التاريخ، هزَّ الضمير الإنساني وأحدث دوياً هائلاً في دنيا المسلمين، ليترك آثاره وبصماته المشرقة وانعكاساته الإيجابية على واقعهم السياسي والاجتماعي. شغل مساحةً كبيرةً من تاريخ البشرية، ليشكل ملفاً ضخماً ستبقى فصوله تُتلى وصفحاته تدوّن بأحرف من نور وتعطّر بأريج الشهادة وعبق الدماء الزكية.

كان الإمام الحسين (ع) يرى أنّ المجتمع الإسلامي يحتاج إلى ثورة ولكنّها ليست ثورة من أجل إسقاط حكم واستلام سلطة ولكنّها ثورة في النفوس ثورة في الضمائر، ثورة في المفاهيم، ثورة في مشاعر الناس وقلوبهم وقد نجح في ذلك أيما نجاح ذلك هو النصر.

ثورة الحسين (ع)، هي ثورة الإنسان بكلّ ما فيه من سُمُو وإباء، والمؤمن بكلّ ما تحتوي عليه كلمة الإيمان من صدق وثناء، والمصلح بكلّ ما تستلزمه أبعاد الحروف من حقّ ونجدة ومروءة ووفاء. ثورة الحسين (ع) ثورة إنسان كمل في إهابه معنى الرشد، وحقيقة الوعي، وروح الإيمان، وسرّ العلو المطلق، فتشكل في حياته دليلاً أميناً لطلاب الحقّ، وبعد مماته أمثولة رائعة حازت شرف الأسوة في خطٍّ مشروعٍ نقلاً وعقلاً.

الامام الحسين (ع) في حياته، وبعد استشهاده، إنسان عظيم تهواه الصدور، وشخصيته الكبيرة هي السدرة التي ينتهي التاريخ إليها مفاخراً بحقّ. ولمَ لا يكون الحسين (ع) كذلك، وهو مَن انبثق من عظمة النبوّة محمّد (ص) فكان السبط الحبيب، ومن عظمة الرجولة علي (ع) فكان الابن الأريب، ومن عظمة الفضيلة فاطمة (ع) فكان البضعة التي تعني في الصلة والوصال أكثر مما يعنيه القريب.

هكذا كانت حياته (ع) زاخرة بالفيض والعطاء، وكانت حياته شعلة فرشت النور في درب الحياة، وشحنة غرست الدفق في قلب الوجود. كان هدف الحسين (ع) أن يعيد إلى الحياة سيرة جدّه، التي قامت على العدل والمساواة ومحاربة الفقر والظلم والفساد، مقاومة التمييز العنصري ووحدة الأُمّة ونشر الغِنى والرفاه وإقامة العدل وإحياء الدين بكلّ أهدافه الاجتماعية ورسالته الإنسانية.

إنّها كربلاء، وكربلاء استطاعت أن تصنع جمهوراً للحسين (ع) يتحرّك في كلّ زمان ومكان، ليصنع لنا أكثر من كربلاء وأكثر من موقع في خطّ الإمام الحسين (ع).

إنّ ثورة الحسين (ع) كانت ناجحة وفاتحة ورابحة، ولكن نجاحاً معنوياً وفتحاً فكرياً على الصعيد العالمي وربحاً عاطفياً ووجدانياً عمَّ النوع الإنساني بكلّ شعوبه وطوائفه وقومياته. وأمّا النصر العسكري والنجاح المسلح فليس دائماً دليلاً على النجاح الحقيقي على حدّ الكلمة المأثورة: «جولة الباطل ساعة وجولة الحقّ إلى قيام الساعة والعاقبة للتقوى».

أين دفن رأس الإمام الحسين (ع) بعد استشهاده؟

إنّ لعلمائنا الأعلامِ قولينِ مشهورينِ في دفنِ رأسِ الإمامِ الحُسينِ عليه السّلام.

فأمّا القولُ الأوّلُ، فهوَ رجوعُ الرّأسِ إلى كربلاء المُقدّسة، وهوَ الرّأي القائلُ بإلحاقِ الرّأسِ بالجسدِ الشّريفِ الذي يذهبُ إليه كلٌّ منَ: الشّيخِ الصّدوقِ، والسّيدِ المُرتضى، والسّيدِ إبنِ طاووس ـ قدّسَ اللهُ أسرارَهم ـ وغيرُهم، عَن غيرِ المعصومِ، ويفهمُ مِن كلامِ إبنِ نما الحلّي ـ كما سيأتي ذِكرُه ـ إشتهارُه لدى الشّيعةِ الإماميةِ، ونستعرضُ فيما يلي ما وردَ في هذا الموضعِ.

1- أوردَ الصّدوقُ (قدّسَ) في الأمالي: ص231: بإسنادِه عَن فاطمةَ بنتِ علي، قالَت:

ثمّ إنّ يزيد ـ لعنَهُ الله ـ أمرَ بنساءِ الحُسينِ عليه السّلام ، فحُبسنَ مع علي بنِ الحُسين عليهما السّلام في محبسٍ لا يكنُّهم مِن حرٍّ ولا قرّ؛ حتّى تقشّرَت وجوهُهم، ولم يرفَع في بيتِ المقدسِ حجرٌ عَن وجهِ الأرضِ إلاَّ وُجدَ تحتَه دمٌ عبيطٌ، وأبصرَ النّاسُ الشّمسَ على الحيطانِ حمراء، كأنّها الملاحفُ المُعصفرةُ، إلى أن خرجَ علي بنُ الحسينِ عليهما السّلام بالنّسوةِ، وردّ رأسَ الحُسينِ إلى كربلاء.

 2- سُئلَ السّيدُ المُرتضى قدّسَ سرّه: هل ما روي مِن حملِ رأسِ مولانا الشهيدِ أبي عبدِ الله عليه السّلام إلى الشّامِ صحيحٌ؟ و ما الوجهُ في ذلك؟ فأجابَ قدّسَ سرّه:

"هذا أمرٌ قد رواهُ جميعُ الرّواةِ والمُصنّفينَ في يومِ الطّفِّ، وأطبقوا عليه، وقد رووا أيضاً أنّ الرّأسَ أعيدَ بعدَ حملِه إلى هناك، ودُفنَ معَ الجسدِ بالطّف"، (رسائلُ المرتضى: ج3، ص130).

3- ذكرَ إبنُ نما الحلّي قدّس سرّه: "والذي عليهِ المعوَّلُ منَ الأقوالِ أنّه (أي الرّأسُ الشّريفُ) أعيدَ إلى الجسدِ بعدَ أن طيفَ بهِ في البلادِ، ودُفنَ معه" (ينظر: مثيرُ الأحزان، ص85).

4- ذكرَ السيدُ إبنُ طاووسَ أنّ عملَ الطّائفةِ على هذا المعنى ـ وهو ردُّ الرّأسِ الشريفِ إلى الجسدِ الطّاهرِ في كربلاء، أضِف إلى ذلك أنّه عدَّ التّساؤلَ عن كيفيةِ ضمّ الرّأسِ الشريفِ إلى الجسدِ فيهِ نوعٌ منَ الجهلِ وسوءِ الأدبِ، كالسّؤالِ عَن كيفيةِ إحيائِه بعدَ شهادتِه. (ينظر: اللّهوفُ على قتلى الطّفوف، ص114).

وأمّا القولُ الثاني، فهوَ أنّ الرّأسَ الشريفَ دُفنَ في النّجفِ الأشرفِ عندَ مشهدِ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام، ويستدلُّ على ذلك بمجموعةٍ منَ الرّواياتِ الواردةِ في الكتبِ المعتبرةِ، وهي كالتّالي:

1- في كتابِ الكافي للكليني (ره) (ج4/ص1157)، رقمُ الحديثِ (8119) بإسنادِه عن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام روايةٌ تصرّحُ بأنّ الرّأسَ الشريفَ دُفنَ عندَ مشهدِ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام. ورواها إبنُ قولويه في كاملِ الزّيارات.

2- في كتابِ كاملِ الزّياراتِ (ص86-87): وقد ذكرَت فيهِ جملةٌ منَ الرّواياتِ الدّالّةِ بصريحِها على أنّ الرّأسَ قد دُفنَ عندَ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام.  

3- في كتابِ تهذيبِ الأحكامِ (ج6/ص777)، رقمُ الحديثِ (7076): وقد ذُكرَت فيهِ روايتان، إحداهُما تُصرّحُ بدفنِ الرّأسِ عندَ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام أيضاً.

ولذا ترى آراءَ العُلماءِ في موضعِ أو مدفنِ الرّأسِ الشّريفِ مُتعدّدةً تبعاً لتعدّدِ المنقولِ، وهي تؤكدُ ـ على الأقلِّ ـ أنّ هذا الموضعَ هوَ موضعُ تقديسٍ وإهتمامٍ مِن قِبلِ الأئمّةِ عليهم السّلام والعلماءِ، وأنّه مكانٌ يزارُ منهُ الإمامُ الحسينُ عليه السّلام.
 


الكلمة الدليلية: عاشوراء, حسين,
Share
* الاسم:
* البرید الکترونی:
* نص الرأی :
* رقم السری:
  

أحدث العناوین