لو سلمنا جدلا أن فاطمة سلام الله عليها غضبت علی الشيخين في فترة، إلا أنه قد ثبت أنها رضيت عنهما في أواخر حياتها كما نقله البيهقي والأخرون:
عن الشعبي قال لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر الصديق فأستئذن عليها فقال علي يا فاطمة هذا أبو بكر يستئذن عليك فقالت أتحب أن أأذن؟ قال نعم فأذنت له فدخل عليها يترضاها وقال والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا لإبتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت ثم ترضاها حتي رضيت.
البيهقي، احمد بن الحسين (متوفاي 458هـ) الاعتقاد والهداية إلي سبيل الرشاد علي مذهب السلف وأصحاب الحديث، ج 1، ص 354، تحقيق: أحمد عصام الكاتب، ناشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت، الطبعة: الأولي، 1401هـ.
غضب سيدة نساء العالمین عليها السلام علی الشيخين تنسف مشروعیة خلافتهما، وذلک لأنه ثبت بسند صحيح، في اصح كتبهم أن غضب ها ورضايتها سلام الله عليها هو غضب ورضاية الرسول صلي الله عليه واله وسلم، لهذا قام علماء المخالفین بوضع روایة فیها أن السیدة الطاهرة قد رضیت عن الشیخین في أواخر حیاتها حينما أتی الشیخان لعیادتها علیها السلام
نقول:
اولاً: الرواية مرسلة؛ لأن الشعبي تابعي فلم يكن حاضرا ، فالرواية معلولة بنفس علة رواية البلاذری والطبري حسب ما ذهب الیه علماءهم
ثانياً: فرض کون مرسلات التابعی حجة، لایجدي في المقام ایضا، لأن الشعبي کان ناصبیا ومن أعداء أمیر المؤمنین علي علیه السلام کما نقل ذلک أبوحامد الغزالي والبلاذري عن الشعبي نفسه :
عن مجالد عن الشعبي قال: قدمنا علي الحجاج البصرة، وقدم عليه قراء من المدينة من أبناء المهاجرين والأنصار، فيهم أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه... وجعل الحجاج يذاكرهم ويسألهم إذ ذكر علي بن أبي طالب فنال منه ونلنا مقاربة له وفرقاً منه ومن شره....
البلاذري، أحمد بن يحيي بن جابر (متوفاي279هـ) أنساب الأشراف، ج 4، ص 315؛
الغزالي، محمد بن محمد أبو حامد (متوفاي505هـ)، إحياء علوم الدين، ج 2، ص 346، ناشر: دار االمعرفة - بيروت.
فعلیه، هل تکون روایة الناصبی حجة لنا ولاسیما فی مثل هذا المقام؟
غضب السيدة فاطمة سلام الله عليها علی إبی بکر فی أصح کتب أهل السنة
ثانيا:
غضب السيدة فاطمة عليها السلام علی أبي بكر اوضح من الشمس وغير قابل للانكار، فإن البخاري صاحب صحيح البخاري وهو أصح كتاب لدی أهل السنة جميعا، روی أن السيدة الطاهرة كانت غاضبة علی أبی بکر حتی مماتها
قال في أبواب الخمس:
فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رسول اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ فلم تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حتي تُوُفِّيَتْ.
البخاري الجعفي، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله (متوفاي256هـ)، صحيح البخاري، ج 3، ص 1126، ح2926، باب فَرْضِ الْخُمُسِ، تحقيق د. مصطفي ديب البغا، ناشر: دار ابن كثير، اليمامة - بيروت، الطبعة: الثالثة، 1407 - 1987.
و قال في المغازي، باب غزوة خيبر، حديث 3998 :
فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ علي أبي بَكْرٍ في ذلك فَهَجَرَتْهُ فلم تُكَلِّمْهُ حتي تُوُفِّيَتْ
البخاري الجعفي، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله (متوفاي256هـ)، صحيح البخاري، ج 4، ص 1549، ح3998، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، تحقيق د. مصطفي ديب البغا، ناشر: دار ابن كثير، اليمامة - بيروت، الطبعة: الثالثة، 1407 - 1987.
في كتاب الفرائض، بَاب قَوْلِ النبي (ص) لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ حديث 6346 :
فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ فلم تُكَلِّمْهُ حتي مَاتَتْ.
البخاري الجعفي، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله (متوفاي256هـ)، صحيح البخاري، ج 6، ص 2474، ح6346، كتاب الفرائض، بَاب قَوْلِ النبي (ص) لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، تحقيق د. مصطفي ديب البغا، ناشر: دار ابن كثير، اليمامة - بيروت، الطبعة: الثالثة، 1407 - 1987.
وفيما رواه ابن قتيبة، أن الشيخين لما أتيا لعيادتها سلام الله عليها لم تأذن لهما، حتی أنهما توسلا بعلي عليه السلام فتوسط الإمام عليه السلام ، فقالت السيدة فاطمة عليها السلام:
البيت بيتك.
فأذن لهما امير المؤمنين عليه السلام إتماما للحجة، ولئلا يقولا إن عليا عليه السلام ما سمح لنا أن نكسب رضاية فاطمة سلام الله عليها، فلما دخلا عليها سلام الله عليها وحاولا كسب رضايتها، قالت لهما عليها السلام:
نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول «رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ومن أ رضي فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني »
نعم سمعناه من رسول الله صلي الله عليه وسلم.
فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه.
والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها.
الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة (متوفاي276هـ)، الإمامة والسياسة، ج 1، ص 17، باب كيف كانت بيعة علي رضي الله عنه، تحقيق: خليل المنصور، ناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1418هـ - 1997م.
فعليه، كيف يمكن أن نصدق انها رضيت عنهما؟ وهل رواية البخاري مقدمة ام رواية البيهقي ولاسيما اذا کانت من روایة ناصبي ولم يكن حاضرا؟
ثالثاً: اذا رضیت الزهراء علیها السلام عن أبی بکر، فما هو السبب لدفنها لیلا بوصیتها سلام الله علیها؟ حتی لم یخبر أحد من الذین ظلموها فی تشییع جنازتها ودفنها، کما جاء فی الصحیح:
وَعَاشَتْ بَعْدَ النبي صلي الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ فلما تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلًا ولم يُؤْذِنْ بها أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّي عليها
البخاري الجعفي، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله (متوفاي256هـ)، صحيح البخاري، ج 4، ص 1549، ح3998، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، تحقيق د. مصطفي ديب البغا، ناشر: دار ابن كثير، اليمامة - بيروت، الطبعة: الثالثة، 1407 - 1987.
یقول ابن قتيبه:
وقد طالبت فاطمة رضي الله عنها أبا بكر رضي الله عنه بميراث أبيها رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما لم يعطها إياه حلفت لا تكلمه أبدا وأوصت أن تدفن ليلا لئلا يحضرها فدفنت ليلا
الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة (متوفاي276هـ)، تأويل مختلف الحديث، ج 1، ص 300، تحقيق: محمد زهري النجار، ناشر: دار الجيل، بيروت، 1393، 1972.
و قال عبد الرزاق صنعاني:
عن بن جريج وعمرو بن دينار أن حسن بن محمد أخبره أن فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم دفنت بالليل قال فر بها علي من أبي بكر أن يصلي عليها كان بينهما شيء
و قال أیضا:
عن بن عيينة عن عمرو بن دينار عن حسن بن محمد مثله الا أنه قال اوصته بذلك.
الصنعاني، أبو بكر عبد الرزاق بن همام (متوفاي211هـ)، المصنف، ج 3، ص 521، ح 6554 و ح 6555، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الثانية، 1403هـ.
لعله یقال أن أبابكر تاب من فعلته هذه، فیرد علیه أن التوبة لها شروط ما لم تتحق لن تقبل التوبة، منها أن تکون عن ندم واقعی، ومنها أن التائب یقوم برد حقوق الآخرین، فهل رد أبوبکر إلی الصدیقة الطاهرة فدکا؟ حتی تکون توبته توبة نصوح
النتيجة:
غضب السيدة علي الشيخين حتي توفيت عليها السلام مما جاء في اصح كتاب عند أهل السنة، فلايقدم عليه اي كتاب آخر مثل البيهقي ولاسيما أن رواية البيهقي فيها ناصبي مثل الشعبي