2024 March 29 - 19 رمضان 1445
ما هو موقف الامام علي عليه السلام فی قبال بيت المال؟
رقم المطلب: ٣٦٨٤ تاریخ النشر: ١٨ رمضان ١٤٤٣ - ١٤:٠٠ عدد المشاهدة: 5083
الأسئلة و الأجوبة » عام
ما هو موقف الامام علي عليه السلام فی قبال بيت المال؟

 

توضيح السؤال:

کیف کانت مراقبة الإمام علي عليه السلام فی اقامة الحق و استخدام بیت المال فی مقابل محافظيه و عملائه؟

كان أمير المؤمنين علیه السلام نموذجاً في السلوك الحسن في المجتمع الإسلامي، و من شدة العدل استشهد في محراب العبادة. نمذجة حياته العلمية و العملية هي الطريق لجميع البشر، بغض النظر عن أي دين. إن الطريقة التي تعامل بها أمير المؤمنين علیه السلام مع وكلائه و تعليمات ذلك الإمام التي أرسلت إليهم بشكل رسائل تدل على رعايته و تطبيقه في التعامل مع ولاة ولايته في مختلف المناطق. ليس فقط النصائح الأخلاقية، و لكن الاهتمام ببیت المال کانت من أهم النقاط في رسائل ذلك الإمام.

بما أن بیت المال حق لجميع المسلمين، فإن الاوامر الخاصة من أمير المؤمنين علیه السلام لاستخدامها مهمة. وتجدر الإشارة إلى أنه كان محور الحق و الحقيقة و دائمًا على الدفاع عن حقوق الجميع کما ان الرسول صلي الله عليه و آله قال فی رواية هکذا:

أَنْتَ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَكَ حَيْثُ مَا دَارَ.

ابن عساكر الدمشقي الشافعي، علي بن الحسن إبن هبة الله، (المتوفى571هـ)، تاريخ مدينة دمشق و ذكر فضلها و تسمية من حلها من الأماثل، ج20، ص361، تحقيق: محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمري، ناشر: دار الفكر - بيروت – 1995ق.

أمير المؤمنين ، لأنه مارس أسلوبه في حكم الناس بعد الخلافة الظاهرة، جعل الحقيقة في السياسة على رأس أولوياته. کا انه قال فی کلام له هکذا:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ كُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ أَلَا إِنَّ لِكُلِّ غُدَرَةٍ فُجَرَةً وَ لِكُلِّ فُجَرَةٍ كُفَرَةً أَلَا وَ إِنَّ الْغَدْرَ وَ الْفُجُورَ وَ الْخِيَانَةَ فِي النَّارِ.

الكليني الرازي، محمد بن يعقوب بن إسحاق (المتوفى329 ق)، الكافي، ج2، ص238، صححه و علق عليه علي أكبر الغفاري، ناشر: دار الكتب الاسلامية‏، طهران‏، الطبعة الثالثة، 1388هـ.

كما كان تخطيط و تنظيم شؤون حكومة الأمير المؤمنين عليه السلام من أهم أعماله. التخطيط في شؤون الحكومة و حتى الزراعة كان من أهم توصيات الإمام لوكلائه و الولاة.

کتب فی رسالته وصیة الی مالک الاشتر هکذا :

وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيه‏ ... وَ إِيَّاكَ وَ الْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ [التَّسَاقُطَ] التَّسَقُّطَإ  فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ‏ أَوِ الْوَهْنَ‏ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَ أَوْقِعْ كُلَّ [عَمَلٍ‏] أَمْرٍ مَوْقِعَه‏.

نهج البلاغة، کتاب 53.

فی رسالة اخری، کتب الی اهل الخراج هکذا:

وَ إِيَّاكُمْ وَ تَأْخِيرَ الْعَمَلِ وَ دَفْعَ الْخَيْرِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ النَّدَم‏.

المنقري، نصر بن مزاحم بن سيار (المتوفی212هـ) وقعة صفين، ص108، دار النشر: (الجامع الكبير).

وكان الإمام نفسه حريصًا للغاية في اختيار وكلاءه، بل و شدد على هذه المسألة في نصيحته. علی سبیل الإمتثال فی رسالة اميرالمؤمنين سلام الله عليه الی مالک الاشتر حول اختیار عماله، ذکر هکذا:

ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ [اخْتِيَاراً] اخْتِبَاراً وَ لَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَ الْخِيَانَةِ وَ تَوَخَ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَ الْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ الْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً وَ أَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ [إِشْرَافاً] إِشْرَاقاً وَ أَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَرا.

نهج البلاغة، کتاب 53.

واصل أمير المؤمنين عليه السلام نصيحته لمالك في الحرص على اختيار العمال و قال:

ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَ اسْتِنَامَتِكَ وَ حُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ [يَتَعَرَّفُونَ‏] لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَ حُسْنِ [حَدِيثِهِمْ‏] خِدْمَتِهِمْ وَ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَ الْأَمَانَةِ شَيْ‏ءٌ وَ لَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَ أَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ وَ اجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا وَ لَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا وَ مَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَه.

نهج البلاغة، کتاب 53.

 و قال الإمام فی توصیته لمالك الاشتر لاختيار وسيط و وكيل هکذا:

فَاصْطَفِ‏ لِوِلَايَةِ أَعْمَالِكَ أَهْلَ الْوَرَعِ وَ الْعِلْمِ وَ السِّيَاسَة.

الحراني، الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة (المتوفی قرن 4)، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، ص137، تحقيق : تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، ناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1404 - 1363 ش.

التقصير في العمل و الضعف في طريق الخلافة و الحكم عند الأمير – علیه السلام- لم يكن لهن معنى، و خير دليل على ذلك عدم توظيف عملاء عثمان. طلب ابن عباس في لقائه مع أمير المؤمنين علیه السلام الاحتفاظ بمعاوية و قواته في بلاد الشام، فأجابه الأمير عليه السلام هکذا:

أما ما ذكرت من إقرارهم فوالله ما أشك أن ذلك خير في عاجل الدنيا لاصلاحها وأما الذي يلزمني من الحق والمعرفة بعمال عثمان فوالله لا أولى منهم أحدا أبدا فإن أقبلوا فذلك خير لهم وإن أدبروا بذلت لهم السيف.

الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب (المتوفى310 ق)، تاريخ الطبري، ج2، ص703، ناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

و في رواية أخرى كانت بحضور ابن عباس و معاوية و مغيرة، ذكر ابن عباس دقة و أمانة الإمام علي (ع) و اعتبر أن سبب عدم استخدام القوات الأموية هو عدم الثقة و الأمانة:

وهل كان يسوغ له أن يحكم في دماء المسلمين وفيء المؤمنين ، من ليس بمأمون عنده ، ولا موثوق به من نفسه ؛ هيهات هيهات هو أعلم بفرض الله وسنة رسوله أن يبطن خلاف ما يظهر إلا للتقية ، ولات حين تقية مع وضوح الحق ، وثبوت الجنان ، وكثرة الأنصار ، يمضي كالسيف المصلت في أمر الله ، مؤثراً لطاعة ربه والتقوى ، على آراء أهل الدنيا.

إبن أبي‌الحديد المدائني المعتزلي، عز الدين بن هبة الله (المتوفى655 هـ)، شرح نهج البلاغة، ج6، ص184، تحقيق: محمد عبد الكريم النمري، ناشر: دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان، الطبعة: الأولى، 1418هـ - 1998م.

كانت محاربة الفساد و إعادة أموال بیت المال من أهم أعمال ذلك الإمام. عثمان خلال خلافته ، تبرع بالكثير من ممتلكات الخزانة لمن حوله و للأمويين، الأمر الذي عارضه الإمام علي (عليه السلام) بشدة، و في خطبه أوضح كل ما وهبه عثمان لمن حوله و الآخرين في عهده، ستعاد إلى الخزينة.

ابن ابي الحديد یذکر کلاما هاما للإمام علیه السلام هکذا:

وهذه الخطبة ذكرها الكلبي مرويةً مرفوعةً إلى أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن علياً عليه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة ، فقال : ألا إن كل قطيعةٍ أقطعها عثمان ، وكل مال أعطاه من مال الله ، فهو مردود في بيت المال ، فإن الحق القديم لا يبطله شيء ، ولو وجدته وقد تزوج به النساء ، وفرق في البلدان ، لرددته إلى حاله ، فإن في العدل سعة ، ومن ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق.

إبن أبي‌الحديد المدائني المعتزلي، عز الدين بن هبة الله (المتوفى655 هـ)، شرح نهج البلاغة، ج1، ص164، تحقيق: محمد عبد الكريم النمري، ناشر: دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان، الطبعة: الأولى، 1418هـ - 1998م.

فيما يلي يخبر الكلبي عن الإجراء العملي لذلك الإمام في جمع الأسلحة و ممتلكات الخزانة من قبل عثمان على النحو التالي:

قال الكلبي : ثم أمر عليه السلام بكل سلاح وجد لعثمان في داره مما تقوى به على المسلمين فقبض ، وأمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصدقة ، فقبضت ، وأمر بقبض سيفه ودرعه ، وأمر ألا يعرض لسلاحه وجد له لم يقاتل به المسلمون ، وبالكف عن جميع أمواله التي وجدت في داره وفي غير داره ، وأمر أن ترتجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث أصيبت أو أصيب أصحابها.

إبن أبي‌الحديد المدائني المعتزلي، عز الدين بن هبة الله (المتوفى655 هـ)، شرح نهج البلاغة، ج1، ص164، تحقيق: محمد عبد الكريم النمري، ناشر: دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان، الطبعة: الأولى، 1418هـ - 1998م.

كما أن كلمات و مواعظ الإمام علي (ع) تشير بوضوح إلى تناقضات الخلفاء الذين كانوا قبله مع الله و السنة النبوية، و بدأوا أسلوب بناء الإمام علي (ع) في وقت وقعوا فيه جميعًا في حب مال الدنیا، و بالطبع طاوعت معارضات واسعة و كانت الحروب الرئيسية التي دارت في عهد خلافته معارضة لأسلوبه.

ذکر الإمام فی ضمن خطبة له نقلها سليم بن قيس الهلالي هکذا:

ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ وَ حَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ خَاصَّتِهِ وَ شِيعَتِهِ فَقَالَ قَدْ عَمِلَتِ الْوُلَاةُ قَبْلِي أَعْمَالًا خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه و آله مُتَعَمِّدِينَ لِخِلَافِهِ نَاقِضِينَ لِعَهْدِهِ مُغَيِّرِينِ لِسُنَّتِهِ وَ لَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى تَرْكِهَا وَ حَوَّلْتُهَا إِلَى مَوَاضِعِهَا وَ إِلَى مَا كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله لَتَفَرَّقَ عَنِّي جُنْدِي حَتَّى أَبْقَى وَحْدِي أَوْ قَلِيلٌ مِنْ شِيعَتِيَ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي وَ فَرْضَ إِمَامَتِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله أَ رَأَيْتُمْ لَوْ أَمَرْتُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَرَدَدْتُهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله وَ رَدَدْتُ فَدَكاً إِلَى وَرَثَةِ فَاطِمَةَ عليها السلام وَ رَدَدْتُ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله كَمَا كَانَ  وَ أَمْضَيْتُ قَطَائِعَ أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله لِأَقْوَامٍ لَمْ تُمْضَ لَهُمْ وَ لَمْ تُنْفَذْ وَ رَدَدْتُ دَارَ جَعْفَرٍ إِلَى وَرَثَتِهِ وَ هَدَمْتُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ وَ رَدَدْتُ قَضَايَا مِنَ الْجَوْرِ قُضِيَ بِهَا وَ نَزَعْتُ نِسَاءً تَحْتَ رِجَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَرَدَدْتُهُنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَ اسْتَقْبَلْتُ بِهِنَّ الْحُكْمَ فِي الْفُرُوجِ وَ الْأَحْكَامِ وَ سَبَيْتُ ذَرَارِيَّ بَنِي تَغْلِبَ وَ رَدَدْتُ مَا قُسِمَ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ وَ مَحَوْتُ دَوَاوِينَ الْعَطَايَا وَ أَعْطَيْتُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّه‏ صلي الله عليه و آله يُعْطِي بِالسَّوِيَّةِ وَ لَمْ أَجْعَلْهَا دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَ أَلْقَيْتُ الْمِسَاحَةَ وَ سَوَّيْتُ بَيْنَ الْمَنَاكِحِ وَ أَنْفَذْتُ خُمُسَ الرَّسُولِ كَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ فَرَضَهُ وَ رَدَدْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَ سَدَدْتُ مَا فُتِحَ فِيهِ مِنَ الْأَبْوَابِ وَ فَتَحْتُ مَا سُدَّ مِنْهُ وَ حَرَّمْتُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَ حَدَدْتُ عَلَى النَّبِيذِ وَ أَمَرْتُ بِإِحْلَالِ الْمُتْعَتَيْنِ وَ أَمَرْتُ بِالتَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ وَ أَلْزَمْتُ النَّاسَ الْجَهْرَ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم‏ وَ أَخْرَجْتُ مَنْ أُدْخِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله فِي مَسْجِدِهِ مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله أَخْرَجَهُ وَ أَدْخَلْتُ مَنْ أُخْرِجَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه و آله أَدْخَلَهُ وَ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَ عَلَى الطَّلَاقِ عَلَى السُّنَّةِ وَ أَخَذْتُ الصَّدَقَاتِ عَلَى أَصْنَافِهَا وَ حُدُودِهَا وَ رَدَدْتُ الْوُضُوءَ وَ الْغُسْلَ وَ الصَّلَاةَ إِلَى مَوَاقِيتِهَا وَ شَرَائِعِهَا وَ مَوَاضِعِهَا وَ رَدَدْتُ أَهْلَ نَجْرَانَ إِلَى مَوَاضِعِهِمْ وَ رَدَدْتُ سَبَايَا فَارِسَ وَ سَائِرِ الْأُمَمِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ص إِذاً لَتَفَرَّقُوا عَنِّي وَ اللَّهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لَا يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا فِي‏ فَرِيضَةٍ وَ أَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِي النَّوَافِلِ بِدْعَةٌ فَتَنَادَى بَعْضُ أَهْلِ عَسْكَرِي مِمَّنْ يُقَاتِلُ مَعِي يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ غُيِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرَ يَنْهَانَا عَنِ الصَّلَاةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعاً وَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَثُورُوا فِي نَاحِيَةِ جَانِبِ عَسْكَرِي مَا لَقِيتُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَ طَاعَةِ أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَ الدُّعَاةِ إِلَى النَّار.

الكليني الرازي، محمد بن يعقوب بن إسحاق (المتوفى329 ق)، الكافي، ج8، ص59-63، صححه و علق عليه علي أكبر الغفاري، ناشر: دار الكتب الاسلامية، طهران‏، الطبعة الثالثة، 1388هـ .

على الرغم من كل المشاق التي کانت في طريق حکومة أمير المؤمنين (عليه السلام)، إلا أنه لم تکن عنده مجاملة فی رفض الخائنین من العملاء و قطع أيدي الجميع.

النهابة الذين غرقت أيديهم في الخزانة في عهد الخلفاء السابقين، و خاصة عثمان، من القرار ان یمنعوهم من جمع الثروات و کان الإمام من المصممين على ذلك فی هذا الطریق.

اميرالمؤمنین اشار الی هذه النکتة بوضوح فی کتابه الی مالک الاشتر، بعد ان بعثه الی مصر هکذا:

إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ [قَبْلَكَ لِلْأَشْرَارِ] لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً وَ مَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةًفَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ وَ إِخْوَانُ الظَّلَمَةِ وَ أَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَ نَفَاذِهِمْ وَ لَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَ أَوْزَارِهِمْ وَ آثَامِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَ لَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَ أَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً وَ أَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وَ أَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَ حَفَلَاتِك‏.

نهج البلاغة، کتاب 53.

فی کلام آخر لاميرالمؤمنين سلام الله عليه فی توضيح و تبيين ائمة الحق یقول هکذا:

وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَ الدِّمَاءِ وَ الْمَغَانِمِ وَ الْأَحْكَامِ وَ إِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَ لَا الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَ لَا الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَ لَا الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ وَ لَا الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَ يَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ وَ لَا الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الْأُمَّة.

نهج البلاغة، خطبة131.

إن الصفات القبيحة والمذمومة مثل: البخل و الجهل و الظلم و الرشوة هي من أهم كلمات ذلك الإمام التي يجب أن يتحرر منها كل حاكم و وكيل.

و بعد إدانة خيانة النهابة قام أمير المؤمنين ع بحذفهم حتى لا يتعدوا على أموال الخزينة و الناس اکثر فاکثر. أشعث بن قيس، الذي كان والي آذربيجان من قبل عثمان، كان قد اقتنى الكثير من الأموال التي رفض منحها للإمام، و تعامل معه الإمام بحزم و جزم، كما جاء في المصادر المكتوبة:

أَنَّهُ حَضَرَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَ كَانَ عُثْمَانُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى آذَرْبِيجَانَ فَأَصَابَ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَعْضٌ يَقُولُ أَقْطَعَهُ‏ عُثْمَانُ‏ إِيَّاهَا وَ بَعْضٌ يَقُولُ أَصَابَهَا الْأَشْعَثُ فِي عَمَلِهِ فَأَمَرَهُ عَلِيٌّ ص بِإِحْضَارِهَا فَدَافَعَهُ وَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ أُصِبْهَا فِي عَمَلِكَ قَالَ وَ اللَّهِ لَئِنْ أَنْتَ لَمْ تُحْضِرْهَا بَيْتَ مَالِ الْمُسْلِمِينَ لَأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي هَذَا أَصَابَ مِنْكَ مَا أَصَابَ فَأَحْضَرَهَا وَ أَخَذَهَا مِنْهُ وَ صَيَّرَهَا فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَ تَتَبَّعَ عُمَّالَ عُثْمَانَ فَأَخَذَ مِنْهُمْ كُلَّ مَا أَصَابَهُ قَائِماً فِي أَيْدِيهِمْ وَ ضَمَّنَهُمْ مَا أَتْلَفُوا.

المغربي، القاضي النعمان (المتوفی363هـ)، دعائم الإسلام، ج1، ص396، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، ناشر: دار المعارف – القاهرة، سنة الطبعة: 1383 - 1963 م.

نصيحته للخونة معروفة و مميزة عند الخاص و العام كما كتب ابن عبد البر القرطبي في "الاستیعاب" عن فعل ذلك الإمام هکذا:

وكان عليٌّ رضي الله عنه ... ولا يخصُّ بالولايات أهل الدِّيانات والأمانات. وإذا بلغه هن أحدهم جناية كتب إليه: قد جاءتكم موعظة من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين. وما أنا عليكم بحفيظ. إذا أتاك كتابي هذا فتحفظ بما في بين يديك من عملنا حتى نبعث إليك من يتسلمه منك. ثم يرفع طرفه إلى السماء فيقول: اللهمَّ إنك تعلم إني لم أمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك.

وخطبه ومواعظه ووصاياه لعماله إذ كان يخرجهم إلى أعماله كثيرة مشهورة لم أر التعرض لذكرها لئلا يطول الكتاب وهى حسان كلها.

ابن عبد البر النمري القرطبي المالكي، ابوعمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر (المتوفى463هـ)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص1111، تحقيق: علي محمد البجاوي، ناشر: دار الجيل - بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ.

إن معاقبة المسؤولين و العملاء الخائنین منهم في حياة أمير العالمين علي بن أبي طالب عليه السلام أمر طبيعي لا ينكر. و كانت أقسى عقوبة كانت لمن تعدى على ممتلكات الناس و أرواحهم، و أن الإمام أثناء كتابة الرسائل و إرسال الرسول أكد على ضرورة معاقبة الاشخاص. على سبيل المثال ، تعرض ابن هرمة للخيانة في سوق الأهواز؛الإمام فی ضمن کتاب له الی رفاعة أمر بأشد العقوبات علیه:

أَنَّهُ اسْتَدْرَكَ عَلَى ابْنِ هَرْمَةَ خِيَانَةً وَ كَانَ عَلَى سُوقِ الْأَهْوَازِ فَكَتَبَ إِلَى رِفَاعَةَ إِذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَنَحِّ ابْنَ هَرْمَةَ عَنِ السُّوقِ وَ أَوْقِفْهُ لِلنَّاسِ وَ اسْجُنْهُ وَ نَادِ عَلَيْهِ وَ اكْتُبْ إِلَى أَهْلِ عَمَلِكَ تُعْلِمُهُمْ رَأْيِي فِيهِ وَ لَا تَأْخُذْكَ فِيهِ غَفْلَةٌ وَ لَا تَفْرِيطٌ فَتَهْلِكَ عِنْدَ اللَّهِ وَ أَعْزِلُكَ أَخْبَثَ عُزْلَةٍ وَ أُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَأَخْرِجْهُ مِنَ السِّجْنِ وَ اضْرِبْهُ خَمْسَةً وَ ثَلَاثِينَ سَوْطاً وَ طُفْ بِهِ إِلَى الْأَسْوَاقِ فَمَنْ أَتَى عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ فَحَلِّفْهُ مَعَ شَاهَدِهِ وَ ادْفَعْ إِلَيْهِ مِنْ مَكْسَبِهِ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَ مُرْ بِهِ إِلَى السِّجْنِ مُهَانًا مَقْبُوحاً مَنْبُوحاً وَ احْزِمْ رِجْلَيْهِ بِحِزَامٍ وَ أَخْرِجْهُ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَ لَا تَحُلْ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مَنْ يَأْتِيهِ بِمَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ أَوْ مَلْبَسٍ أَوْ مَفْرَشٍ وَ لَا تَدَعْ أَحَداً يَدْخُلُ إِلَيْهِ مِمَّنْ يُلَقِّنُهُ اللَّدَدَ وَ يُرَجِّيهِ الْخُلُوصَ فَإِنْ صَحَّ عِنْدَكَ أَنَّ أَحَداً لَقَّنَهُ مَا يَضُرُّ بِهِ مُسْلِماً فَاضْرِبْهُ بِالدِّرَّةِ فَاحْبِسْهُ حَتَّى يَتُوبَ وَ مُرْ بِإِخْرَاجِ أَهْلِ السِّجْنِ فِي اللَّيْلِ إِلَى صَحْنِ السِّجْنِ لِيَتَفَرَّجُوا غَيْرَ ابْنِ هَرْمَةَ إِلَّا أَنْ تَخَافَ مَوْتَهُ فَتُخْرِجَهُ مَعَ أَهْلِ السِّجْنِ إِلَى الصَّحْنِ فَإِنْ رَأَيْتَ بِهِ طَاقَةً أَوِ اسْتِطَاعَةً فَاضْرِبْهُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْماً خَمْسَةً وَ ثَلَاثِينَ سَوْطاً بَعْدَ الْخَمْسَةِ وَ الثَّلَاثِينَ الْأُولَى وَ اكْتُبْ إِلَيَّ بِمَا فَعَلْتَ فِي السُّوقِ وَ مَنِ اخْتَرْتَ بَعْدَ الْخَائِنِ وَ اقْطَعْ عَنِ الْخَائِنِ رِزْقَهُ.

المغربي، القاضي النعمان (المتوفی 363هـ)، دعائم الإسلام، ج2، ص537، تحقيق: آصف بن علي أصغر فيضي، ناشر: دار المعارف – القاهرة، سنة الطبعة: 1383 - 1963 م.

هذا الموقف من الإمام تجاه الخائن لأموال الناس مهم. الحساسية لهذه القضية في فكر العلوي لدرجة أنه في الرسالة الشهيرة عنه علیه السلام لمالك الاشتر كتب عن العملاء و الاهتمام بهم هکذا:

فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ فَوَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَ قَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَة.

نهج البلاغة، کتاب 53.

 

حسم ذلك الإمام أمام أعوانه من الصفحات المهمة في التاريخ التي تذكر هنا بإيجاز بعض مواردها:

 عثمان بن حنيف

كان عثمان بن حنيف من ولاة أمير المؤمنين الإمام علي (ع) في البصرة. في أحد الأيام، تلقى نبأ حضوره علی مائدة و عليها طعام ملون، و بعد سماعه خبر هذه القضية، كتب له خطابًا يوضح خصائصه و عدم إنتفاعه من ممتلكات العالم، أوصی عثمان بن حنيف بالتقوى و كتب ما يلي:

أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ‏ لَكَ الْأَلْوَانُ وَ تُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَ غَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُه مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ وَ مَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ [وَجْهِهِ‏] وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَ يَسْتَضِي‏ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَ لَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفَّةٍ وَ سَدَادٍ فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً وَ لَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً وَ لَا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلَّا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ وَ لَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وَ أَوْهَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ.

بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ. وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَ غَيْرِ فَدَكٍ وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ‏ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ وَ سَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَ يَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ‏ وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى‏ وَ أَكْبَادٌ حَرَّى‏ أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:

          وَ حَسْبُكَ [عَاراً] دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ            وَ حَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ

أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْش‏.

نهج البلاغة، کتاب 45.

يمكن ملاحظة عدة نقاط مهمة في رسالة الإمام هذه إلى عثمان بن حنيف:

1 .ضرورة تجنب التترف.

2.الحرص على الأكل و الشرب.

3.بساطة العيش و الرضا بأقل مكاسب من الدنیا لهذا الإمام.

4.فدك و موقعه و اغتصاب فدك.

5 .الموت و ذكر القبر.

6 .الاهتمام بالفقراء في أبعد المناطق التي كانت تحت حكمه.

و ... . 

عبد الله بن عباس

كان عبد الله بن عباس من وكلاء أمير المؤمنين علیه السلام ، الذي تلقى منه رسالة خلال وكالته. و يذكر أمير المؤمنين في هذا المقال أنه ينبغي رعایة التقوى الإلهية في مواجهة أموال الآخرين:

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ وَ عَصَيْتَ إِمَامَكَ وَ أَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الْأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ وَ أَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ وَ اعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ وَ السَّلَام‏.

البلاذري، أحمد بن يحيي بن جابر (المتوفى279 ق)، أنساب الأشراف، ج1، ص293، طبق برنامج الجامع الكبير.

نهج البلاغة، کتاب 40.

 

قدامة بن عجلان

و كان قدامة أحد وكلاء ذلك الإمام في منطقة كسكر الواقعة بين الكوفة و البصرة. كتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام رسالة يحذره فيها من استخدام بیت المال، مذكراً إياه بأن أموال الناس عنده ودائع و لا يحق له التعدي:

وكتب عليه السلام إلى قدامة بن عجلان عامله على كسكر: أما بعد فاحمل ما قيل من مال الله فإنه فيء للمسلمين، لست بأوفر حظاً فيه من رجل منهم ولا تحسينَ يا بن أمّ قدامة أن مال كسكر مباح لك كمال ورثته عن أبيك وأمك، فعجل حمله، وأعجل في الإقبال إلينا إن شاء الله.

البلاذري، أحمد بن يحيي بن جابر (المتوفى279 ق)، أنساب الأشراف، ج1، ص290، طبق برنامج الجامع الكبير. 

مصقلة بن هبيرة

كان مصقلة وكيل الإمام علي (ع) في أردشيرخره فی فارس و عينه ابن عباس. و أخبروا الإمام انه وهب من بیت المال الی اهل بادیة بکر بن وائل فالإمام کتب رسالة له حذره من هذا الفعل و طلب منه مراعاة حق الله كما ورد:

وكتب عليه السلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني، وكان على أردشيرخرّة من قبل ابن عباس: بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أتيت شيئاً إذّاً. بلغني أنك تقسم فيء المسلمين فيمن اعتفاك وتغشاك من أعراب بكر بن وائل، فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، وأحاط بكلّ شيء علما؛ لئن كان ذلك حقاً لتجدنّ بك عليّ هواناً فلا تسهيننَّ بحق ربك ولا تُصْلحنَّ دنياك بفساد دينك ومحقه فتكون من الأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

البلاذري، أحمد بن يحيي بن جابر (المتوفى279 ق)، أنساب الأشراف، ج1، ص290، طبق برنامج الجامع الكبير.

يروي ذهل بن الحارث أيضًا قصة حديثه مع مصقلة و يذكر أن مصقلة كان يدور في ذهنه أفكار الخلفاء الذین کانوا قبل الإمام علي (ع)، و خاصة عثمان، و كان له مثل هذا التوقع من الإمام علیه السلام:

قال أبو مخنف وحدثني أبو الصلت الأعور عن ذهل بن الحارث قال دعاني مصقلة إلى رحله فقدم عشاؤه فطعمنا منه ثم قال والله إن أمير المؤمنين يسألني هذا المال ولا اقدر عليه فقلت والله لو شئت ما مضت عليك جمعة حتى تجمع جميع المال فقال والله ما كنت لأحملها قومي ولا أطلب فيها إلى أحد ثم قال أما والله لو أن ابن هند هو طالبني بها أو ابن عفان لتركها لي ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج أذربيجان مائة ألف في كل سنة فقلت له إن هذا لا يرى هذا الرأي لا والله ما هو بباذل شيئا كنت أخذته فسكت ساعة وسكت عنه فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية وبلغ ذلك عليا فقال ماله برحه الله فعل فعل السيد وفر فرار العبد وخان خيانة الفاجر أما والله لو أنه أقام فعجز ما زدنا على حبسه فإن وجدنا له شيئا أخذناه وإن لم نقدر على مال تركناه ثم سار إلى داره فنقضها وهدمها.

الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب (المتوفی310 ق)، تاريخ الطبري، ج3، ص147، ناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.

و هكذا قاوم الإمام فی مقابل خيانة من سبقوه و تسلطوا على اخذ حقوق الناس.

المنذر بن الجارود

و كان المنذر والي ذلك الإمام في منطقة اصطخر. عندما وصل الخبر إلى الأمير (ع) أنه كان يستمتع ولا يهتم بشؤون الناس، كتب الإمام الیه توبيخًا شديدًا له في رسالة و طلب منه الوصول إليه على الفور. و سجنه الإمام بتهمة اختلاس 30 ألف من السکک لم يقسم بنفيها و انکارها:

وكتب عليه السلام إلى المنذر بن الجارود وبلغه أنه يبسط يده في المال، ويصل من أتاه، وكان على اصطخر: إن صلاح أبيك غرني منك وظننت أنك تتبع هديه وفعله؛ فإذا أنت فيما رقّي إلي عنك لا تدع الانقياد لهواك؛ وإن أزرى ذلك بدينك، ولا تصغي إلى الناصح وإن أخلص النصح لك؛ بلغني أنك تدع عملك كثيراً وتخرج لاهيا متنزهاً متصيداً، وأنك قد بسطت يدك في مال الله لمن أتاك من أعراب قومك، كأنه تراثك عن أبيك وأمك، وإني أقسم بالله لئن كان ذلك حقاً لجمل أهلك وشسع نعلك خير منك، وأن اللعب واللهو لا يرضاهما الله، وخيانة المسلمين أعمالهم مما يسخط ربك، ومن كان كذلك فليس بأهل لأن يسدّ به الثغر، ويجبىء به الفيء، ويؤتمن على مال المسلمين، فأقبل حين يصل كتابي هذا إليك. فقد فشكاه قوم ورفعوا عليه أنه أخذ ثلاثين ألفاً، فسأله فجحد، فاستحلفه فلم يحلف، فحبسه.

البلاذري، أحمد بن يحيي بن جابر (المتوفى279 ق)، أنساب الأشراف، ج1، ص291، طبق برنامج الجامع الكبير.

نعم المواجهة الحاسمة مع المفسدين و خيانة السلف الذين جاءوا لنهب أموال الناس و سعوا فی الاستيلاء على أموال الناس و بیت المال، كان من الأعمال المهمة و الأساسية لأمير المؤمنين علیه السلام، و قد تسبب ذلك كثير من العداوات و بدء الحروب الكثيرة. 

و من الله التوفیق

موسسة الإمام ولي العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف للدراسات العلمیة

 

 



Share
* الاسم:
* البرید الکترونی:
* نص الرأی :
* رقم السری:
  

أحدث العناوین